لطالما رأيت دوما أن اتباع شغف الأطفال وأسئلتهم التي لا يكفون عن طرحها طوال الوقت هي المحرك الفعال لفرصة تعلمهم بشكل حقيقي ماتع ومليء بالشغف، وقد تكفي أسئلتهم وحدها – إن استطعنا اللحاق بها – لأن تكون منهجا يتعلمون من خلاله أفضل من تلقيهم لمجرد منهاج مخطط له. جاءت هذه المبادرة الرائعة – رحلة تساؤل – لتؤكد على هذه الرؤية بشكل فعال ومبدع، وتدعم بكل الجهد تقديم فكرة التيسير أو التوجيه على غير الشكل المعتاد لعملية التعلم، وترك أثر في الأطفال ليبقى حبهم للتعلم والتساؤل دوما معهم.

وعلى الرغم من اهتمامي وعملي منذ فترة كميسرة في عدة فعاليات، إلا أن ما كان جديدا ومهما جدا بالنسبة لي في مبادرة رحلة تساؤل هو تجربة “التعليم عن بعد” مع أطفال لا أعرفهم ولم أرهم من قبل ومتابعة عرض تساؤلاتهم وأبحاثهم في شكل عمل أدبي مكتوب. كيف أبني معهم تلك العلاقة الإنسانية من خلال الشاشات وأعمل معهم على مشاريعهم الأدبية فقط عبر الانترنت! لكن ما حدث قد أبهرني، فقد كانت تجربة رائعة مليئة بالشغف والتواصل والتعلم الفعال. وكنت أستمتع بوقتي مع هؤلاء المبدعين فريق “مستكشفو العالم” مريم، زهراء، عبد الرحمن، مصطفى، عبد الله ويس..  وقد رأيت من تأثر إيجابيا من الأطفال رغم عدم اعتياده على هذه الطريقة في التعلم.

في الحقيقة كانت رحلة شيقة ومليئة بالجهود المبذولة بصدق بداية من القائمين على المبادرة والمشرفين والميسرين والطلاب. وقد كان واضحا كم المجهود المبذول من قبل القائمين عليها.. ترتيبات ضخمة، لقاءات، تدريب واجتماعات الميسرين، إعداد المادة، وغير ذلك من تفاصيل أتخيلها في الكواليس وراء كل هذا العمل الضخم. كما أن رؤية حماس الميسرين وإبداعاتهم ونيتهم الصادقة للتغيير وتأثيرهم في الأطفال كانت رائعة وباعثة للتفاؤل.

استمتعت برؤية شغف الأطفال هو من يحركهم للتعلم، وكذلك المرونة الفعالة المتاحة للميسر في توجيه رحلة تعلمهم، فأنت كميسر لا تقوم باتباع منهج معد مسبقا لتقدمه، بل تصمم خطتك وأنشطتك معهم حسب ما تأخذك أفكارهم وسير الحوار معهم والمواقف التي نتعرض لها. وقد تُغير تفكيرك بشكل كامل أو تخرج من جلسة معهم لتغير المسار التي رسمته في رأسك تماما ليتوافق مع احتياجاتهم وتفاعلهم خلال رحلة التعلم تلك!

 الكثير من الشغف والتعب والجهد والمفاجئات والإثارة  في رحلتنا، ولكن بعض اللحظات المهمة هي ما كان يدعمني خلال الطريق؛ هو رؤية ما يحدث من تغير في الأطفال وتعلمهم خبرات حياتية حقيقية خلال الرحلة، فقد رأيت كيف كانت البداية من اختلافهم في الأفكار وغضبهم أحيانا وتمسك كل منهم برأيه، لكني رأيت أيضا كيف أنهو الرحلة متناغمين يتبادلون الآراء ويتقبلون اختلافهم فيها، ورؤيتهم لجمال هذا الاختلاف، وقد اكتسبوا أيضا هذه القيمة التي رافقتنا طوال الرحلة ولمست أنا وأهليهم ثقة في قدرتهم على الإبداع والإنتاج دون خوف المقارنة أو التقليل من عملهم. رأيت كيف تحول الخجل وخوف المشاركة عند البعض منهم إلى الابتكار والثقة والمشاركة بفعالية. سعدت بكل ما حدث من تواصل إنساني فعال بيننا جميعا رغم التباعد وتأثرنا بما تعلمنا، ورسائلهم في ختام الرحلة: “أنا بحبك”، “نفسنا نقابلك في الحقيقة”، “استمتعنا قوي باللقاء يا مس”. ولا أنسى أيضا التواصل الفعال والنقاشات الجميلة مع أمهات الفريق الرائعات التي كانت تأتي كلماتهم الداعمة أيضا ورؤيتهم للتغير الفعال في أبنائهم وتشجيعهم لنا لتزيدني تأكيدا أن الأمر يستحق. أحب فريقي ” مريم، زهراء، مصطفى، عبد الرحمن، عبدالله ويس” وفخورة باجتهادهم وقصصهم الجميلة التي اجتهدوا وأبدعوا في كتابتها وبالتنوع الذي رأيته في أساليب كتاباتهم.

أتمنى لهم مزيدا من التفوق والأعمال المبدعة ولقاءهم في مغامرات قادمة. وأثق بقدرة كل الأطفال على الإبداع وحب التعلم إذا أتيحت لهم البيئة المناسبة!

 

” رأيت كيف كانت البداية من اختلافهم في الأفكار وغضبهم أحيانا وتمسك كل منهم برأيه، لكني رأيت أيضا كيف أنهو الرحلة متناغمين يتبادلون الآراء ويتقبلون اختلافهم فيها. رأيت كيف تحول الخجل وخوف المشاركة عند البعض منهم إلى الابتكار والثقة والمشاركة بفعالية.”

رحلتي

نهى بسيوني